خليل عز الدين محمد الجمل ذلك الشاب اللبناني الذي افتدى فلسطين فكان أول من استشهد من اللبنانيين في سبيل القضية الفلسطينية، رغم صغر سنه والذي سقط شهيداً بتاريخ 10/4/1968م أثناء تصديه مع زملائه من المقاتلين فيما عرف بمعركة تل الأربعين، كان استشهاده الشرارة التي شجعت شباب عرب من غير الفلسطينيين على المشاركة في الكفاح المسلح إلى جانب أخوانهم الفلسطينيين.
من بيروت إلى الأردن ومن ثم إلى الأرض المحتلة طريق طويل ربما، لكنه مختصر أيضاً هو طريق الشهادة الذي شقه المناضل الفتحاوي خليل عزالدين الجمل، ابن بيروت ليرتفع أول شهيد لبناني فداءً للقضية الفلسطينية.
ولد/ خليل عزالدين محمد الجمل في بيروت بتاريخ 21/1/1951م لأبوين لبنانيين، حيث تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة العصرية وثم أكمل دراسته التكميلية في مدرسة المخلص المسائية، كان يعلم نهاراً ويدرس ليلاً وذلك بحكم عمله مع أخيه الأكبر نبيل في المكتبة التي يعمل بها حيث كان دائم الإطلاع والقراءة، ما مكنه من تكوين ذاكرة ثقافية عن الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية في هذا السن المبكر.
خليل عزالدين الجمل كان صغيراً عندما حمل القضية، لكن إيمانه كان أكبر بكثير من أي عمر يمكن أن تسجله هوية وكان محركه الأول والأخير خطوات ثابتة رافقت الشاب المراهق ليولد مقاوماً منذ نعومة أظفاره.
غادر خليل عزالدين محمد الجمل الأراضي اللبنانية يوم 25/3/1968م ترك بيته وأهله وصحبه ترك الجميع، وذهب لم يكن هناك وداع مسبق، فهو كان على يقين بأنه عائد لا يهم كيف، لكنه كان سيعود، رسالة صغيرة تركها على مكتب شقيقه الأكبر نبيل في مكتبه (كراكاس) (أخي نبيل سلامي لأهلي وأمي، أرجوك لا تسأل عني... أنا بخير وسأعود)، وبالفعل عاد، ربما عرف خليل الجمل أنه سيعود شهيداً، لكنه بالتأكيد لم يكن يحسب حساباً لاستقباله بمئات الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين.
في العاشر من نسيان 1968م كانت الإشارة عقارب الساعة تشير إلى التاسعة ليلاً، المكان منطقة (تل الأربعين) يبدأ التحرك، إحدى وحدات المراقبة الأمامية تكتشف دخول قوات العدو الإسرائيلي إلى المنطقة حيث أقامت جسراً حديدياً متحركاً بالقرب من (بيارة أبو فريدس) في منطقة الأغوار الأردنية، ودفعت على هذا الجسر دبابة وعدداً من السيارات المصفحة، كما قامت طائرة هيلوكبتر بإنزال أكثر من ثلاثين مظلياً في المكان، وما هي إلا دقائق حتى اخترقت هذه الآليات الحدود داخل الأراضي الأردنية حيث كانت قوات العاصفة على أهبة الاستعداد للمواجهة لتلك القوات من خلال تواجدها في كمين خلفي.
خليل عزالدين الجمل كان واحداً من هؤلاء حيث بدأ الاشتباك بين قوات الفدائيين وقوات العدو الإسرائيلي وحسب المعلومات فقد قتل من الإسرائيليين عدداً أثناء الهجوم مما اضطرهم إلى التقهقر والرجوع إلى الخلف، أصيب في هذه المعركة خليل الجمل حيث أسرع رفاقه إلى المساعدة في إخلاءه إلى أن سقط البطل شهيداً في أرض المعركة.
في السابع والعشرين من نيسان عام 1968م مشي لبنان بأسرة في الموكب المهيب للشهيد البطل، يوم تاريخي أضاف إلى القضية الفلسطينية أصوات أجراس وكنائس وهتافات شعب أكملت الصوت لتصل القضية، جنازة الشهيد لم يسبق أن عاش لبنان بأسره لها مثيل، وفي ذلك الوقت من الزمن حيث انطلق الموكب من عمان مروراً بالأراضي السورية، ومن ثم إلى الأراضي اللبنانية، وقرعت أجراس الكنائس ممزوجة بنداءات الله أكبر المنبعثة من المآذن، خمس ساعات عبر خلالها اللبنانيون والفلسطينيون عن الولاء للشهيد الأول، رسميون وحزبيون، ناس عاديون، ورجال أعمال، وسياسيون، من جميع المناطق اللبنانية على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم واتجاهاتهم توحدوا في سبيل الشهادة، زعاريد، هتافات، أناشيد، إطلاق الرصاص في الهواء، وسائل ضاق بها اللبنانيون في ذلك الوقت ليعبروا عن حبهم وتعاطفهم وولائهم للشاب البناني الشهيد البطل/ خليل الجمل والقضية الفلسطينية والعربية.
تشييع جثمان الشهيد/ خليل عزالدين الجمل كان على قدر التضحية لجميع لبنان بأكمله تحت لواء الفتى الشهيد، أشخاص تجمعهم صله به نزلوا للقاءه وتهاتفوا على حمل نعشه ومشاركته في حلم القضية، أصدقاء مدرسته ورفاق دربه هتفوا باسمه.
شيع الشهيد بعد الصلاة عليه من الجامع العمري في بيروت حيث قدرت المعلومات أن المشاركين في التشييع قد بلغ مائة أ لف مواطن.
هذا وبعد أن تم التشييع فقد صدر مرسوم جمهوري بمنح الشهيد/ خليل عزالدين الجمل وسام الاستحقاق اللبناني تقديراً لبطولاته وتكريماً له.
خليل الجمل الشهيد اللبناني الأول دفاعاً عن القضية الفلسطينية، غادر بيروت في ذلك الوقت ليقول كلمته وليعبر في وقت كثرت فيه الأقاويل والأحاديث لتأتي كلمته وتحسم القضية، أنها الشهادة في سبيل القضية، هذا ما ينشده الوطن، كلمة خطها خليل الجمل لتختصر نبض شباب يعشقون الأرض ويؤمنون بقدراتهم في قول الكلمة الحق، وأن كان ثمنها أن تسلب منهم حياتهم.
قالوا عن الشهيد خليل الجمل:
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر: (اللي عنده 17 سنة و 18 سنة واللي بيقاتلوا في داخل إسرائيل بثبتوا أيضاً أن احنا ند، ويثبتوا أن الإنسان العربي قادر على دفع التحدي، الشاب اللبناني اللي أخذ سلاحه وطلع من لبنان وترك رسالة لأهله قالهم أنا ماشي ومش حاغيب... وحا ارجعلكم وطلع ودخل مع قوات العاصفة إلى إسرائيل علشان يقاتل في سبيل أرضه ومات ورجعوه إلى لبنان ... يثبت أن الأمة العربية كلها بكل أبنائها قادرة على تحدي هذا العدوان).
الصحفي غسان تويني (من زمان لم يمت منا شهيد ... شهيد حقيقي ... شاب يحلّ الوطن في مقام أعلى من الحياة، ومن زمان لم يعتبر شاب منا أن ثمه ما هو أثمن من الحياة هو فداء الحياة ... من زمان لم يكتب لنا أحد بدمه رسالة حرية ... خليل عزالدين الجمل تعود إلينا ولم نعرفك كأنك ما مت إلا لتعرفنا بما فينا... بأن فينا إرادة الحق حتى الموت والإيمان حتى الشهادة.
رحمك الله يا شهيدنا البطل/ خليل عزالدين محمد الجمل واسكنك فسيح جناته.